دقيقة نفسية الحلقة الاولي : الاكتئاب في أماكن العمل

بقلم . نهال مجدي رفاعي

يسعدني ويشرفني تقديم سلسلة حلقات دقيقة نفسية والتي تناقش اهم موضوعات الصحة النفسية التي تهم كل فرد وتساهم في نشر وعي الصحة النفسية والعقلية .

# معا لصحة نفسية افضل#

دعوني اولا أن اهدي هذة الحلقات الي روح والدي الغالي الأستاذ الدكتور .مجدي رفاعي استاذي ومعلمي والذي كان استاذا للطب النفسي في الشرق الأوسط وكل الفخر لأنة كان فردا من افراد و رجال القوات المسلحة المصرية الشرفاء” حفظهم الله”.

رحمة الله والدي الغالي

هل تساءلت يوما ما هو الاكتئاب وما هو اعراضة وتأثيرة علي حياتنا اليومية وتفاصيل اخري .

دعوني استعرض ذلك :

الاكتئاب هو مرض شائع. واحد من كل خمسة نساء و واحد من كل عشرة رجال سيعانون من الاكتئاب في فترة معينة من حياتهم. واحد من كل عشرين شخص بالغ سوف يعاني من اكتئاب شديد الدرجة و عدد مشابه لذلك سوف يعاني من اكتئاب أقل شدة.

بشكل طبيعي المشاكل الشائعة عند عامة الناس هي ايضا شائعة في مكان العمل. حوالي ثلاثة من كل عشرة موظفين سوف يعانون من مشكلة في الصحة النفسية في كل عام. هذا يقلل من انتاجهم في العمل,و يزيد من نسبة الاجازات المرضية, و الحوادث و تغييب الموظفين عن العمل.

ما هو الاكتئاب؟

اذا كنت لا تعاني من الاكتئاب أو أنك لا تعرف احدا ما يعاني منه فانك قد تجد صعوبة في أن تدرك ما معنى الاكتئاب. يمكننا جميعا أن نشعر بالضجر و الحزن و التعاسة عقب حادثة مزعجة على مستوى شخصي هذا ربما يكون موت رفيق العمر, او شخص قريب, أو الطلاق أو ربما فقدان العمل. حزن كهذا عادة ما يزول مع الوقت لكن أحيانا قد يستمر لفترة أطول و ربما يسوء أكثر و أكثر. من جهة أخرى عدم الشعور بالسعادة قد يأتي بدون مقدمات و بدون سبب واضح.

اذا استمر الاكتئاب و أصبح شديدا او طغى على كل مناحي الحياة اليومية يجب عندها أن يعالج على أنه مرض طبي.

هنالك أعراض معينة قد تعطينا دليلا على أن شخصا ما يعاني من نوع من الاكتئاب و أنه يحتاج للمساعدة.

هذه الأعراض ربما تشمل ما يلي:

* الحزن الذي لا يتغير من يوم لأخر.

* البكاء بدون سبب واضح.

* القلق, النزق أو التوتر.

* اضطراب النوم.

* قلة الشهية و تغير الوزن.

* التعب و الارهاق و قلة الهمّة.

* النسيان و قلة التركيز.

* أفكارعدم الأهمية و فقدان الأمل.

تأثيرات الاكتئاب على العمل:

الشخص الذي يعاني من الاكتئاب قد يبدأ بتصرفات غير معتادة في البيت و في مكان العمل

العمال أو الموظفين الأخرين ربما يلاحظون أن هذا الشخص:

* يعمل ببطء.

* غالبا ما يفعل أخطاء.

* غير قادر على التركيز.

* أنه ينسى.

* يتأخر عن العمل و الاجتماعات.

* لا يأتى للعمل.

* يتشاجر و يتجادل مع زملائه.

* غير قادر على توزيع المهام.

* العمل أو محاولة العمل تحتاج لمجهود زائد.

الاكتئاب يؤثر بشكل كبير على قدرة الشخص على العمل بشكل فعال. قد يكون الاكتئاب شديدا جدا بحيث أن الشخص المصاب يتوجب عليه التوقف عن العمل كليا في وقت معين.

عند ما لا يكون الاكتئاب شديدا معظم الناس يحاولون بالتظاهرأنه ليس هناك مشكلة مع انهم على يقين أنهم لا يقومون بأعمالهم كالعادة.

اذا استطعنا التعرف على الأشخاص المصابين بالاكتئاب و قدمنا لهم المساعدة فانهم سوف يعودون بسرعة لممارسة نشاطهم الطبيعي في العمل. الكثير من المعاناة و قلة السعادة يمكن تجنبها بهذه الطريقة.

التعرف على الاكتئاب:

الزملاء في مكان العمل هم غالبا في موقع جيد لملاحظة أن زميلهم اصبح مكتئبا. الاكتئاب قد يكون شيئا يصعب الحديث عنه لكن حقيقة الأمريمكن ان يكون هذا مساعدا للشخص المكتئب ذلك أن زملائه في العمل اصبحوا قلقين عليه. نحن نعلم أنه كلما بكّر المريض المكتئب باستشارة طبيبه كلما زاد احتمال أن المعالجة تكون أسرع و أكثر فعالية.

مدير العمل يمكنه المساعدة أيضا. اذا كان الاكتئاب شديدا يمكنه أن يساعد موظفه الذي يعاني من أن يأخذ اجازة من العمل و يساعده للعودة للعمل عندما يصبح قادرا على ذلك و بدون ضغط.  من المهم أن نتذكر أن غالبية الناس يصبحون قادرين على العودة للعمل خلال عدة أسابيع.  معظم الموظفين يخافون من الكلام عن أنهم يعانون من الاكتئاب لأنهم يخشون ان ذلك سيؤثر على بقائهم في عملهم.  هذه المسالة الحساسة يجب أن تعالج بشكل دقيق و سرية تامة من قبل المرشد الصحي المهني و طبيب الأسرة

العلاج:

مجرد التكلم عن المشاعر غالبا ما يكون مساعدا في حد ذاته.  العديد من الناس المصابين بالاكتئاب خفيف الدرجة يبداؤن بالشعور بالتحسن حالما يتكلمون عن مشاكلهم لشخص أخر.

غالبية الناس المصابين بالاكتئاب الشديد يمكن مساعدتهم بعدد من المعالجات التي يمكن وصفها من قبل الطبيب أو المعالجين النفسيين المدربين. المعالجة الأفضل تعتمد على نمط الاكتئاب و الاحتياجات الخاصة للشخص المصاب.

هنالك نوعان أساسيان من العلاج: أولا المعالجات النفسية بالكلام مثل ايجاد حل للمشاكل, المعالجة المعرفية السلوكية او أشكال أخرى من العلاج النفسي و ثانيا العلاج بأدوية مضادات الاكتئاب. كلا النوعين يعطى لفترة شهور. يمكن استعمال كل منهما على حدا أو كليهما معا. العديد من الناس يخشون أن تكون مضادات الاكتئاب مسببة للادمان على الرغم من عدم وجود دليل على ذلك.

كما هو الحال في معظم الأمراض الشائعة فان غالبية الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب سوف يشفون بشكل كامل و يستطيعون العودة للعمل ثانية كالمعتاد.

من المهم جدا أن جميع المساهمين في العلاج وهذا قد يتضمن طبيب الأسرة و الطبيب النفساني أوعالم النفس السريري  العمل بالتنسيق فيما بينهم. المرشد الصحي المهني لديه دور خاص لأنه على علم بمتطلبات المهنة و الشروط في مكان العمل.

هل يمكن لظروف العمل غير المرضية أن تسبب الاكتئاب؟

العمل يوفر لنا شكل و معني لحياتنا اليومية و يعطينا الفرصة للتعرف على أصدقاء جدد. هذا قد يجعلنا نشعر برضى أكثر عن أنفسنا و هذا أيضا يذكّرنا أن الأشخاص الأخرين يقدرون عملنا. العمل المستقر و المجزي يمكنه حقيقة أن يساعد على تخفيض نسبة حدوث الاكتئاب عند معظم الناس.

نحن نعلم أن الأشخاص الذين يسرّحون من العمل أو الذين لا يجدون عملا لعدة شهور يصبحون أكثر عرضة للاصابة بالاكتئاب من الذين يستمرون في عملهم. لذلك العمل له دور كبير في المساعدة على الحفاظ على الصحة النفسية للأشخاص, لكن هنالك ظروف قد يكون العمل فيها له دور أقل في المساعدة.

على الرغم من أنه لا يوجد دليل واضح على أن ظروف العمل السيئة يمكن أن تؤدي الى مرض الاكتئاب,لكن الضغط المفرط و الشدة في مكان العمل بالاضافة الى المشاكل الأخرى مثل الصعوبات المنزلية او أحداث غير سارّة منذ فترة قريبة قد تساهم في ظهور الاكتئاب.

العديد من التقارير تشير الى أن بعض أنماط العمل هي أكثر قابلية من غيرها لجعل الناس غير سعداء في أماكن عملهم. الأعمال التي لا يستطيع فيها الموظف استعمال مهاراته أو الأعمال الرتيبة المكررة بشكل يومي تؤدي لجعل الأشخاص يضجرون من عملهم بشكل أكبر. عدم معرفتنا لحسن أدائنا في العمل او التغييرات المستقبلية في الوظيفة التي نعمل بها قد تؤدي للشعور بالشدة و التوتر. رؤساء العمل الذين عادة ينتقدون و يعيبون على موظفيهم يجعلون الأمور أكثر سوءا.  ظروف العمل السيئة مثل المكاتب المزدحمة أو المعامل كثيرة الضوضاء او المحلات الحارة و عديمة التهوية قد تجعل العمال متوترين و عرضة للشدة و الضغط النفسي.

الموظفون سيشعرون بالاحباط اذا لم تأخذ أرائهم في كيفية تنظيم العمل أو اذا فرضت عليهم القرارات بدون نقاش.  ان ادخال أنظمة الحاسوب الجديدة لتوفير الوقت قد جعل مكاتب العمل تعمل باقتدار أكثر, لكن بنفس الوقت هذا غالبا ما يجلب معه ضغوطات الموعد الأخير و متطلبات باتخاذ قرارات بشكل اسرع و هذا قد يجعل العمل اكثر شدة و اجهادا. هذا أيضا أدى الى تغيير الطريقة التي تنظم بها الأعمال و هذا بحد ذاته يؤثر على الأفراد الذين يعملون ضمن هذه المنظومة.

ما هو الممكن عمله؟

يتوجب على جميع الشركات أن تضع في سياساتها تطوير خطط للحفاظ على الصحة النفسية.  هذه يجب أن تهدف لمنع حدوث الاكتئاب في مكان العمل وتشجع على معلاجته بسرعة اذا حدث.  يجب أن تهدف أيضا لتحسين الأداء العام للمؤسسة و العاملين فيها وتقليل الاجازات المرضية لكلا الأمراض العضوية و الاكتئاب.

هنالك أربع نقاط للأخذ بعين الاعتبار:

-1 زيادة التوعية:

يمكن توعية جميع العاملين في الشركة بأهمية تمييز الاكتئاب و مساعدة زملائهم الذين يمكن أن يعانوا منه. هذا يجب أن يكون على جميع المستويات في مكان العمل من العاملين العاديين الى أعلى مستويات الادارة. الطرق الشائعة لعمل ذلك تتضمن المنشورات, الملصقات الاعلانية أو حتى اعطاء معلومات عن الاكتئاب خلال مقابلات تقييم العمال. الجميع بحاجة أن يدركوا ان العمل الايجابي والمساعدة يعود بفوائد أكثر على الأشخاص و على الشركة ككل.

-2 التثقيف الصحي للعاملين:

يمكن للموظفين الاستفادة من المعرفة أكثر حول الصحة النفسية و كيفية تقليل الشدة النفسية. تقنية ترتيب الأولويات و الاستفادة من الوقت بشكل انسب و التدريب على العمل كفريق يمكن أن تحمي الموظفين من الاصابة بالاكتئاب او الحالات الأخرى. القوة العاملة و الادارة يجب أن يكون لديها معلومات عن كيفية تمييز حالات الاكتئاب بشكل مبكر و الظروف التي يكون فيها الأشخاص أكثر عرضة للاصابة به. هذا المجال من خطة و سياسة الصحة النفسية يجب ان يتضمن نقاشات حول التخطيط الأولي للتقاعد عن العمل و تهيئة الأفراد للعيش بعد أن يتركوا العمل نهائيا.

من المهم التأكيد بشكل خاص على أن الاكتئاب لا يؤدي للتأثير بشكل دائم على قدرة الشخص على العمل.

-3 تنظيم الأعمال:

ان كيفية و طريقة تجهيز و ترتيب مكان العمل قد يؤثر على الصحة النفسية للعاملين. هذا يشمل بيئة العمل, المسؤليات الوظيفية, مستوى الاشراف و كيفية انتقاء و تدريب الأشخاص.

بعض التعديلات الملائمة قد تجعل الموظفين أكثر رضى في مكان عملهم و ربما تحسن أداء العمل بشكل كلي.

-4خدمات الصحة المهنية:

خدمات الصحة النفسية تحتاج الى دعم رؤساء العمل لتطوير برامج تثقيفية للمدراء الأخرين و العاملين حول الاكتئاب. هذا يوجب عليهم مسؤلية تمييز و دعم الأشخاص المصابين بالاكتئاب و مساعدتهم على العودة للعمل.

موظفي الصحة المهنية يملكون الخبرة على التعامل مع المسائل الحساسة مثل سرية المعلومات في مكان العمل,وسائل الأمان في العمل و توقيت العودة للعمل اما بشكل جزئي او بشكل كامل. لديهم أيضا المعرفة ببعض الامور في بيئة العمل التي قد تؤدي الى الشدة و الاجهاد النفسي.

الممرضين والأطباء في الصحة المهنية هم في موقع يجعلهم يعملون بشكل لصيق مع طبيب الأسرة و الأخصائيين الأخرين بنفس الوقت الذي يحافظون فيه على سرية و حساسية احتياجات الموظف المصاب بالاكتئاب.  يجب أن يكون هنالك صلة وصل مع الفروع المحلية لمؤسسات المساعدة الذاتية.

تفاصيل هذه البرامج يعتمد على نوع العمل و حجم المؤسسة. يتوقع من الشركات أن تحسن تدبير شؤون الموظفين بهذه الطريقة وهذا سيعود بفوائد كبيرة على الشركة و موظفيها.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *