“إن التعاون بين روسيا ومصر في مجموعة البريكس مهم للعالم كله”

بقلم سفير روسيا في مصر جيورجي بوريسينكو

كانت روسيا في طليعة الدول التي أنشأت مجموعة البريكس في عام 2006، عندما ضمت هذه المجموعة أيضا الصين والهند والبرازيل. ثم أضيفت جنوب أفريقيا ومنذ عام 2024 أصبح لديها عشرة أعضاء كاملي العضوية، ومن بينهم سعدنا بدعم انضمام مصر وهي شريكتنا منذ فترة طويلة.
وتزامن الانضمام الرسمي لدول جديدة في الأول من يناير 2024 مع بداية الرئاسة الروسية الحالية لمجموعة البريكس والتي ستمد عام واحد. وبطبيعة الحال، أصبحت مهمته الأكثر أهمية هي مساعدة الاعضاء الجدد على الاندماج في العديد من الأشكال التعاونية في اطار المجموعة. كما نواصل تعميق التعاون القائم وزيادة عدد مجالاته.
وفي عام 2024 استضافت روسيا بالفعل وستستمر في استضافة أكثر من 200 حدث مختلف خاص بمجموعة البريكس. وحضر العديد من أعضاء الحكومة ورؤساء الهيأت والمؤسسات المختلفة في مصر اجتماعات رفيعة المستوى في بلادنا. وشارك ممثلون عن مصر على مستويات اخرى في عشرات المناقشات والندوات كلا شخصيا وفي صيغة مؤتمر الفيديو.
ويلعب الشربا المصري في البريكس مساعد وزير الخارجية والسفير راغي الإتربي دورا تنسيقيا رئيسيا. ويقوم هو وموظفو ادارته بعمل هائل في إقامة اتصالات مباشرة بين مختلف الإدارات المصرية والهيئات الحكومية ذات وظائف مماثلة من بلدان أخرى. واليوم يمتد نطاق التفاعل داخل المجموعة من تخطيط السياسة الخارجية وقضايا الأمن القومي إلى الأنشطة المشتركة لأكاديميات العلوم ومن التبادلات الثقافية والرياضية إلى مكافحة الكوارث الطبيعية ومن قطاع الرعاية الصحية إلى التعاون في الصناعة والزراعة والنقل.
ويعتبر جميع الأعضاء أن الاقتصاد هو مجال ذو أولوية للتعاون. ومن حيث إجمالي الناتج المحلي فقد تخلفت مجموعة البريكس بالفعل عن مجموعة السبع، التي وحدت في البداية معظم البلدان الصناعية. والآن، من حيث تعادل القوة الشرائية تحتل الصين المركز الأول في العالم والهند في المركز الثالث وروسيا تحتل المركز الرابع. إن الوزن الاقتصادي للولايات المتحدة، التي فقدت مكانها في التصنيف وتحتل الان المركز الثاني، يتناقص بشكل مطرد وان الدول الأوروبية وخاصة ألمانيا بعد التخلي عن الغاز الروسي الرخيص تفقد قدرتها التنافسية بسرعة وتنزلق نحو التراجع عن التصنيع.
وتشهد مجموعة البريكس عملية تفكير مكثفة حول كيفية ضمان التطور الديناميكي للتجارة العالمية. وهذا يتطلب نظاما موثوقا للتسويات المتبادلة، حيث أن الآلية السابقة القائمة على استخدام الدولار الأمريكي أثبتت عدم موثوقيتها الكاملة في السنوات الأخيرة ولم تعد مرضية للكثيرين.
علاوة على ذلك، وكما أشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخرا إننا لا نشارك في التخلص من الدولار في الاقتصاد العالمي. وتقوم بذلك الولايات المتحدة وحلفاؤها، الذين أدت عقوباتهم إلى تقويض الثقة في عملتهم ونظامهم المصرفي. وأصبح تجميد أو سرقة أصول روسية بقيمة 300 مليار دولار في عام 2022 إشارة للعالم أجمع بأن الاحتفاظ بالأموال في البنوك الأمريكية والأوروبية أمر خطير. هناك سيتم أخذ الاموال منكم إذا لم يعجب الغرب فجأة بسياستكم. وبالمثل، سيتم تجميد أي تحويلات تجارية تقومون بها بالدولار أو اليورو.
وبما أن الغرب لم يعد يريد أن تستخدم بلدان أخرى أدواته المالية، فسنستخدم أدوات أخرى. ولهذا السبب إن 18% فقط من مدفوعات التجارة الخارجية الروسية تتم الآن بالدولار أو اليورو. وان الباقي من المدفوعات التجارية تتم بعملات بديلة ونصفها بالروبل وان هذه الحصة تستمر في النمو. وتتبع الصين مسارا مماثلا، حيث سرعان ما تحول عملتها اليوان إلى وسيلة عالمية للدفع. وفي الوقت نفسه، تفقد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ببساطة موقعهما الاحتكاري في المدفوعات العالمية والسيطرة عليها.
وبطبيعة الحال، فإن إنشاء نظام دفع عالمي جديد يعتمد على الوحدات النقدية الوطنية القائمة أو من خلال إنشاء نوع ما من العملة الموحدة ليس بالمهمة السهلة ويتطلب النظر في مصالح واهتمامات جميع الأعضاء في مجموعة البريكس وغيرها من البلدان ذات التفكير البناء. ولذلك، فإن العمل لا يسير بالسرعة التي نرغب فيها، لكن خبراء من وزارات المالية والبنوك المركزية في مجموعتنا يعملون بالنشاط على هذا الأمر، بما في ذلك بمشاركة مصرية كاملة.
بفضل عضويتها في بنك التنمية الجديد لمجموعة البريكس قد تحصل مصر قريبا على قرض بشروط مواتية بقيمة مليار دولار لتنفيذ مشروعات اجتماعية. لذا فإن فوائد الانضمام واضحة وبعض زيادة تأثير المجموعة ستكون اكثر من الفوائد.
وفي الوقت نفسه، لا يتمتع الأعضاء في مجموعة البريكس باقتصاد متنامي فحسب، وبل يتمتعون أيضا بسياسة سيادية. إنهم منفتحون على التعاون متبادل المنفعة مع الجميع، بما في ذلك دول الكتلة الغربية، لكنهم لن يضحوا بمصالحهم الوطنية على عكس مجموعة السبع، حيث يكون المشاركون فيه تابعين للولايات المتحدة.
وبفضل وجود دول رائدة من مناطق مختلفة في البريكس أصبحت هذه المجموعة نموذجا أوليا للتفاعل المتساوي بين أقطاب النفوذ في عالم متعدد الأقطاب في المستقبل. يتم تشكيل هذا النظام كبديل للهيمنة الوحيدة السابقة للغرب، التي فقدت ليس القيادة الاقتصادية والعلمية والتقنية فحسب، وبل أيضا المبادئ التوجيهية الأخلاقية.
ليس من قبيل الصدفة أن ترغب أكثر من 30 دولة أخرى في الانضمام إلى البريكس، مدركة أن القوى الدافعة للحضارة الإنسانية قد انتقلت إلى الشرق والجنوب بمعنى إلى آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، حيث سيتم تحديد الاتجاهات العالمية من الآن فصاعدا. إن جمعيتنا هي التي سيتعين عليها تطوير وصفات حول كيفية مساعدة أولئك الذين تعرضوا للسرقة والاستغلال من قبل المستعمرين الغربيين وإعطاء الجميع فرصا متساوية وتحفيز التنمية وتحسين آليات العلاقات الدولية لتجنب الصراعات وبناء الروابط بين الناس حتى في الانحاء المختلفة من الكوكب.
ولكنه حتى الان ليس من المخطط تسريع عملية توسيع مجموعة البريكس. وفي القمة التي ستعقد في قازان بروسيا في أكتوبر2024 ينبغي البت في مسألة تحديد وضع الدولة الشريكة. ومن المتوقع ألا يكون عدد هؤلاء الأعضاء أكبر من عدد الأعضاء الكاملين، حيث يجب أولا إنشاء تنسيق فعال داخل النواة الحالية المكونة من عشرة بلدان.
إن روسيا ممتنة للغاية لمصر لعملها النشط والاستباقي في البريكس ودعم رئاستنا. إن مواقف موسكو والقاهرة من معظم القضايا متقاربة للغاية، وحتى اذا اختلفت في مكان ما، فمن الممكن دائما إيجاد حلول بناءة من خلال المناقشة.
ونحن نتطلع إلى المزيد من التعاون الوثيق داخل مجمعتنا وعلى أساس ثنائي. ويساعد التفاهم المتبادل بين روسيا ومصر على تعزيز البريكس وجعل النظام العالمي أكثر عدلا واستدامة فلذلك تعتبر هذه المجموعة مهمة للبشرية كلها.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *