هل يستطيع العرب “فك الارتباط” مع الولايات المتحدة الأمريكية ..؟!
السيد هانى .. يكتب
الكاتب المتخصص فى الشئون الدولية ..
عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية ..
هذا هو السؤال الذى يستحق أن يطرح الآن للبحث والدراسة ..
ليس من أجل العثور على إجابة عليه ب “نعم” .. أو “لا” ..!
إنما من أجل بحث “تكلفة” كل من الخيارين .. على ضوء التطورات التى شهدتها المنطقة فى السنوات الأخيرة ..
فحضور حاملات الطائرات الأمريكية .. والبوارج .. والمدمرات .. والسفن العسكرية الأمريكيةإلى شرق البحر الأبيض المتوسط فى بداية الحرب التى شنتها إسرائيل على قطاع غزة .. وارتكابها مجازر الاطفال والنساء .. والإبادة الجماعية لسكان القطاع .. يعنى ان الولايات المتحدة الأمريكية هى على استعداد لاستخدام قوتها العسكرية ضد اى دولة عربية تتدخل للدفاع عن غزة ..!
* * *
لست فى حاجة للحديث عن الدعم الأمريكى لإسرائيل .. عسكريا وسياسيا وماليا .. فى حرب الإبادة التى تقوم بها فى قطاع غزة .. والتى بدون هذا الدعم لما استطاعت إسرائيل الإستمرار فى هذه الحرب سوى أيام قليلة فقط ..!
لكن الأخطر من الدعم الأمريكى لإسرائيل فى هذه الحرب .. هو أن الولايات المتحدة الأمريكية “حبست” الدول العربية فى “مربع” اصدار بيانات الشجب والاستنكار فقط .. أو على الأكثر .. مناشدة المجتمع الدولى لتحمل مسئولياته .. وكأن ال “٢٢ دولةعربية” ..بما تمتلكه من ثروات وقدرات وامكانيات .. غير قادرة على التحرك للدفاع عن سكان قطاع غزة .. وتستغيث بالمجتمع الدولى ..
حتى الدور الإنسانى .. الذى حاولت الدول العربية القيام به بإرسال المساعدات الغذائية والدواء والوقود والخيام للاجئين والأكفان للشهداء .. منعت من القيام به معظم الوقت .. وتكدست كثير من هذه المساعدات فى المخازن التى أقامتها السلطات المصرية بالعريش ..
لم يسمح للدول العربية .. فى معظم الوقت .. بإدخال المساعدات الإنسانية لسكان قطاع غزة .. ووقفت “تتفرج” على حرب “التجويع” التى تمارسها إسرائيل ضد سكان القطاع .. لكى يموت منهم ب”الجوع” من لم يمت تحت القصف بالقنابل الأمريكية ..!
لابد هنا ان نقول : إن إسرائيل ما كان لها أن تقدر على منع دخول المساعدات الإنسانية لغزة .. لولا وجود حاملات الطائرات الأمريكية فى شرق البحر المتوسط ..!
ولو كانت أى دولة عربية .. لجأت إلى استخدام القوة العسكرية لإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة رغم أنف إسرائيل .. لوجدت نفسها فى مواجهة عسكرية مباشرة .. ومفتوحة .. مع القوات الأمريكية المتمركزة بكثافة .. فى شرق البحر المتوسط ..!
إذن فالولايات المتحدة شريك أساسى لإسرائيل .. فى حرب الإبادة .. وحرب التجويع التى مازالت مستمرة فى قطاع غزة إلى اليوم ..!!
ومازال العرب “محبوسين” حتى الآن .. فى “مربع” الشجب والتنديد فقط ..!
وبالطبع .. ليس هناك فرق كبير بين التنديد بعبارات عادية .. أو بأشد العبارات ..!!
المهم .. أن “ماكينة” إصدار بيانات الشجب والاستنكار تظل تعمل .. لعلها تكون بمثابة “ورقة التوت” التى تخفى عورة العرب .. !!
* * *
لذلك .. نسأل : ألم يحن الوقت بعد للدول العربية ان تبحث فكرة “فك الارتباط” مع الولايات المتحدة الأمريكية .. التى يقف جيشها فى شرق البحر المتوسط على أهبة الاستعداد للدخول فى مواجهة عسكرية مباشرة ضد اى دولة عربية تحاول التدخل لإنقاذ سكان غزة ..؟
* * *
ما يؤلم .. ان بعض الدول العربية مازالت تصف علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية ب “الاستراتيجية” .. بدعوى أن الولايات المتحدة مازالت هى اكبر قوة فى العالم .. عسكريا وسياسيا واقتصاديا .. ولابد من الحفاظ على علاقات متينة معها ..
لكن إذا كانت الولايات المتحدة تستخدم قوتها .. لردع العرب .. ومساعدة المشروع الصهيونى فى المنطقة على التوسع وفرض هيمنته .. لماذا لا نفكر فى اتخاذ موقف عربى جماعى .. موحد .. ضد الولايات المتحدة ..؟
صحيح ان الأمر ينطوى على مخاطر كبيرة .. لأن أثرياء العرب يضعون ثرواتهم (تريليونات الدولارات) فى البنوك الأمريكية .. وفقراء العرب مازالوا يتلقون المعونات الأمريكية .. التى تشكل دعامة مهمة لاقتصادهم ..
بالتالى .. فالمخاطر كبيرة إذا فكر العرب فى الإقدام على خطوة ل “فك الارتباط” مع الولايات المتحدة ..!
ثم هناك سبب آخر .. وهو أن العرب لم يستشروا فى الخطوة التى اقدم عليها فصيل من المقاومة الفلسطينية يوم ٧ اكتوبر ٢٠٢٣ .. والذى أعطى إسرائيل المبرر لارتكاب جرائمها فى غزة تحت ستار زائف اسمه “حق الدفاع عن النفس” ..
هناك وجهات نظر .. يطول التحدث فيها .. عن أن قوى إقليمية تقف وراء ماجرى يوم ٧ أكتوبر .. لإشعال حرب فى المنطقة تستدرج فيها مصر .. بالذات .. لاستنزاف قوتها العسكرية .. وقد تؤدى هذه الحرب إلى هجرة سكان غزة إلى سيناء .. وفى النهاية تدفع مصر ثمنا لعملية ٧ اكتوبر .. التى لم تستشر فيها .. ولم تعلم بها إلا من نشرات الأخبار فى التليفزيون ..
أى ان المستهدف مصر بالتحديد .. وليس سكان غزة ..!!
* * *
كل هذه وجهات نظر يمكن ان نتحدث فيها ونحللها .. ونصب اللعنات على حالة الانقسام الفلسطينى .. وعلى الجواسيس والخونة داخل فصائل المقاومة الفلسطينية .. الذين يعملون بالتنسيق مع الموساد الإسرائيلى ضد الشعب الفلسطينى ..
لكن :
ماوصلت إليه الأوضاع الآن فى غزة .. من مذابح ومآسى إنسانية .. وصور لجثث واشلاء الأطفال والنساء .. وصراخ .. وبكاء .. وجوع .. وخراب للمستشفيات التى منعت إسرائيل .. حتى .. من وصول الوقود اللازم لعمل الأجهزة الطبية بها ..
كل هذه الصور المؤلمة .. التى لن تسقط ابدا من ذاكرتنا .. تضع “الدور الإنسانى” فوق كل الحسابات السياسية والاعتبارات الإقتصادية ..!
بل وتطرح أسئلة صعبة .. فى علاقة الدول العربية والإسلامية بالغرب عموما ..
أليس من حق الفلسطينيين .. سواء فى قطاع غزة .. او الضفة الغربية التى انتقلت إليها الآن حرب الإبادة .. الحصول على أسلحة من الدول العربية والإسلامية للدفاع عن النفس .. كالتى تقدمها الولايات المتحدة والدول الغربية إلى أوكرانيا .. للدفاع عن النفس ضد روسيا .. والتى وصلت إلى درجة تزويد أوكرانيا بطائرات “إف – ١٦” وصواريخ “كروز” بعيدة المدى .. وأحدث من انتجته مصانع السلاح الألمانية والبريطانية من دبابات ومدافع وذخيرة ومصفحات .. حتى استطاعت اوكرانيا بفضل هذه الاسلحة غزو الأراضى الروسية فى “كروسك” ..؟
بينما فى المقابل .. يتلقى الفلسطينيون القصف بالصواريخ والقنابل الأمريكية الثقيلة .. والذخائر المحرم استخدامها دوليا فى الحروب ومنها قنابل الفوسفور الأبيض ..؟
لماذا تمنع الدول العربية والإسلامية من تقديم أسلحة للفلسطينيين للدفاع عن انفسهم .. تكون عبارة عن انظمة دفاعية لإسقاط المقاتلات الإسرائيلية التى تهاجم القرى والمدن الفلسطينية .. كتلك الانظمة التى حصلت عليها أوكرانيا واستخدمتها فى إسقاط مئات المسيرات الروسية ..؟
* * *
سأختم بالقول إن النظام الدولى الذى تأسس بعد نهاية الحرب العالمية الثانية .. يتهاوى الآن .. بسبب ازدواجية المعايير التى يتعامل بها الغرب مع القضايا الدولية .. والتى امتدت إلى الأمم المتحدة .. فأصابتها بالشلل والعجز التام عن اتخاذ أى تحرك فاعل .. على الرغم من ان الفصل السابع فى ميثاق الأمم المتحدة يجيز تشكيل تحالف عسكرى دولى .. يقوم باستخدام القوة العسكرية ضد اى دولة تخل بالأمن والسلام العالمى .. اللذين تأسست الأمم المتحدة لأجل حمايتهما والدفاع عنهما ..!
* النظام الدولى يتهاوى الآن لأن “ازدواجية المعايير” .. التى تتبعها الدول الغربية فى التعامل مع القضايا العربية والإسلامية بالذات .. خلقت مناخا خصبا لنمو جماعات العنف المسلح .. من أجل الثأر والقصاص .. بذلك سوف تنتشر الفوضى فى العالم .. ويتحول “المجتمع الدولى” إلى “مجتمع غابة” .. تستبدل فيه قوانين الشرعية الدولية .. بقوانين “شريعة الغاب” .. وتصبح السيطرة للأقوى وليس لصاحب الحق ..!!